"إنهم يستفيدون من كل شيء..
هكذا نقول للتندر على الصينيين، ولكن يا ليتنا نلبس هذه العبارة ثوب الجدية
بدلا من الفكاهة، لتتحول إلى واقع عملي في حياتنا، فما أحوجنا إلى ذلك"..
كانت هذه خاتمة دراسة أعدت بكلية الزراعة
جامعة القاهرة حول الصناعات التي تقوم على المخلفات الزراعية، ولكنها أبلغ
بداية يمكن الانطلاق منها للحديث عن واحد من أهم هذه المخلفات، والذي جاء
ضمن تقرير أعده مركز تكنولوجيا الصناعات الغذائية بوزارة الصناعة والتجارة
الخارجية بمصر.. هذا المصدر هو "نوى البلح"، الذي يكون مصيره في الغالب
سلال القمامة، في الوقت الذي يمكن أن يدخل في استخدامات مختلفة.
البداية التي انطلق منها التقرير كانت هي رصد
مقومات أي استخدام، وهي بالنسبة للنوى، وجود إنتاج سنوي كاف من التمور،
وعالمنا العربي في هذه الجزئية –تحديدا- غني جدا بإنتاجه، فوفقا للإحصائيات
الواردة بالتقرير يبلغ متوسط الإنتاج السنوي العربي من التمور حوالي 3692
ألف طن، ويمثل ذلك 69.3% من الإنتاج العالمي للتمور.
ورغم هذا الإنتاج الضخم الذي يجعل هناك
إمكانية لاستغلال النوى خاصة أنه يمثل 25% من وزن الثمرة، فإن علاقتنا
بالتمر تقتصر في الغالب على استخدامه غذائيا أو توجيهه لصناعات غذائية.
ستة
استخدامات
ورصد التقرير ستة استخدامات مختلفة يمكن أن
تقوم عليه، ما بين غذائية ومستحضرات تجميل، بل حتى علاجية، وبدأ بالأشهر
بينها وهو استخدامه كعلف للحيوانات؛ حيث أثبتت دراسات أن له تأثيرا إيجابيا
على زيادة وزن حيوانات التسمين، عن طريق زيادة مستوى الأحماض الأمينية
بالدم والإسراع في دخول تلك الأحماض إلى الأنسجة المختلفة بالجسم، كما ثبت
تأثيره الهرموني على أداء العمليات التناسلية في إناث الحيوانات؛ حيث يساعد
في تنبيه عضلات الرحم وتسهيل عملية الوضع، في حالة أن تكون نسبته لا
تتجاوز 25% من مجموع العليقة المركزة للحيوان.
وحدد التقرير طريقتين يمكن تجهيز النوى بهما
لتهيئته لتغذية الحيوانات:
الأولى: وتكون بجرشه إلى قطع صغيرة من 2 إلى
4 ملليمترات.
والثانية: نقعه لمدة من 4 إلى 7 أيام، ليتحول
من الصورة الصلبة إلى أخرى طرية سهلة الهضم على الحيوانات.
ومن تغذية الحيوان إلى تغذية البشر مضى
التقرير يعدد الفوائد الأخرى للنوى، والتي من بينها الدخول في صناعة الخبز
البلدي؛ حيث يضاف مطحونة بدلا من الردة للقمح في صناعة الخبز، كما يمكن أن
يدخل -أيضا- في صناعة كحل العين، ويكون ذلك بحرق النواة وسحقها على هيئة
مسحوق.
ونظرا لاحتوائه على مواد دهنية بنسب بين 8.5
و10.5%، فهذا يؤهله -أيضا- للدخول في صناعة الصابون الطبي المتميز بمعالجة
بسيطة كيميائية له، وإضافة بعض القلويات ومبيدات الجراثيم والفطر.
والمفاجأة التي كشف عنها التقرير أن دراسات
حديثة أجريت على مسحوقه كشفت احتوائه على نسبة عالية من المواد القلوية،
بما يجعل هناك إمكانية لاستخدامه كعلاج للنقرس.
وكان آخر الاستخدامات هو تحويله إلى قهوة
تكون ملائمة جدا لمرضى القلب والشرايين لانخفاض محتواها من الكافيين، ويتم
ذلك عبر عدة مراحل تبدأ بنقع النوى في الماء، ثم غسله بالماء الساخن، وبعد
ذلك يوضع في الشمس لمدة تتراوح من أسبوع إلى 10 أيام، بعدها يؤخذ ويوضع في
"المحماص" لمدة ساعة تقريبا حتى تصبح النواة خالية من أي رطوبة، بعدها ينشر
في مناشف حتى يبرد تماما؛ ليصبح بعد ذلك جاهزا للوضع في المطحنة.
التكامل
بين المنشآت
وإذا كان التقرير قد قدم هذه الاستخدامات في
صورة أقرب إلى الاستعمال الشخصي، فإن هذا لم يمنع أن يطالب في ختامه بتعظيم
الاستفادة لتحويل كل واحد منها إلى صناعة قائمة بذاتها.. وتحقيق ذلك يحتاج
إلى تكامل بين المنشآت، عن طريق إقامتها بجوار الصناعات القائمة على
التمور.
وهذه الصناعات الجديدة -يؤكد التقرير- أنها
ليست مكلفة وتكنولوجياتها بسيطة جدا، ويكفي أنها ستحول النوى من عبء بيئي
إلى مصدر دخل له ثمن.